عنكاوا في فترة الاربعينيات من القرن الماضي، كانت قرية ريفية كباقي القرى الكردية المجاورة لها، تعيش على الزراعة و تربية المواشي وبعض الصناعات والمهن الشعبية وخاصة مهنة الحياكة .وكانت معظم الاراضي الزراعية تعود ملكيتها الى فلاحي و مزارعي اهل القرية نفسها، لذلك لم تكن تحدث نزاعات مع صاحب او مالك الارض كما هو الحال في القرى المجاورة حيث القرية برمتها تعود ملكيتها لشخص واحد يسمى ( آغا) او عائلة واحدة.
أحيانا كانت تحدث تجاوزات على الزرع، أو سرقات مواشٍ، او قطعة سلاح من قبل أهالي القرى المجاورة ، أما النزاعات الداخلية بين عائلة وأخرى وإن حدثت كانت تُحل من قبل رجال الكنيسة أو كبار السن من أهل القرية ، كما كان للكنيسة دور لا ينكر في التعليم، حيث كانت تقوم صيفاً بتعليم أولاد القرية وبناتها من الذين ليس لديهم ارتباط بالعمل الزراعي وتربية الحيوانات، فتعلمهم مبادىء القراءة والكتابة ( للغتين الكلدانية والعربية) وبعض المعلومات العامة التي تقابل المستوى التعليمي للرابع الابتدائي، فالبعض من هؤلاء المتعلمين من الذكور، كانوا يغادرون القرية ويذهبون الى مدينة كركوك لكسب العيش والحصول على فرصة عمل، وخاصة في شركة النفط المعروفة انذاك باسم ( IPC )، ويشتغلون في الشركة كعمال أو مستخدمين أو فنيين. وقد حدث حينها و بعد ان تراكم لدى العمال الشعور بالغبن والاستغلال من قبل اصحاب او مالكي الشركة لقلة أجورهم وطول ساعات العمل، فاتفقوا ان يقاطعوا ويضربوا عن العمل مطالبين بتحقيق مطالبهم ، وقاد الإضراب عدد من كوادر الحزب الشيوعي العراقي ، واعتصموا في بستان كان يقع خارج مدينة كركوك حينها يسمى (گاورباغی)، وهو بستان فسيح للزيتون كان يملكه شخص مسيحي اشتراه اصلا من شخص يهودي، وكان ذلك في تموز 1946 ، ودام الاضراب 13 يوماً من 1 تموز لغاية 13 تموز، حينها خرجت عليهم شرطة الشركة لتجبرهم على العودة الى العمل ولكن لم تفلح، وفي 13 تموز حصلت المجزرة وتم تفريقهم باستعمال العصي والهراوات و الاطلاقات النارية، فسقط 16 شهيداً و اكثر من 30 جريحاً، وبعدها تم فصل قادة الإضراب من العمل. شارك بهذا الإضراب التاريخي العديد من أبناء عنكاوا نذكر منهم: المرحوم عيسى مروكي (عيسى بيو)، والمرحوم حنا عتو ( حنا عريف)، والمرحوم نعمان توما كاوانا ( سياوش)، والمرحوم بويا سبو (دخوكا) الذي كان ناشطا في نشوء مبادىء الفكر الشيوعي في كركوك ، والمرحوم عوديش يلدا (ادوكا) سياوش، وآخرون... واصيب في هذا الاضراب كل من: عيسى مروكي بيو و حنا عتو بطلق ناري، و اصيب ايضا بويا عتو يوسف (غديدايا) بضربة حجارة قوية في كتفه، وعلى اثر هذا الاضراب والحدث التاريخي عاد هؤلاء العمال الى قريتهم عنكاوا، عندها شاعت كلمة (الإضراب) في القرية. وعقب هذا الاضراب قام عمال معمل فتاح باشا للغزل والنسيج في الكاظمية بتأييد إضراب كاورباغي، مطالبين بزيادة أجورهم وتحسين اوضاع العمل. وبعد ذلك و في سنة 1948، قامت جماهير بغداد بالتظاهر ضد تجديد معاهدة (بورتسموث) وهتفت بسقوط الوزارة وحل البرلمان، وتصدت الشرطة بعنف للمظاهرات بهدف تفريقها، وعمت المظاهرات جميع الالوية (المحافظات) العراقية في عامي 1947 و 1948 ومنها محافظة أربيل، و لكون قرية عنكاوا قريبة من مدينة اربيل ومعظم موظفيها وطلابها يداومون فيها، لذا فأن عدداً من ابنائها شاركوا في تلك المظاهرات التي خرجت في أربيل وبرز منهم: المدرس المرحوم عبدالأحد فرنسي المالح و اخوه متي فرنسي المالح وكان طالباً في المرحلة المتوسطة، والمعلم بطرس كوركيس حمودا، والمضمد الصحي بهنام شيشا كوندا، والطالب لويس نعمان توما سياوش، والطالب يوسف (أسوفي) حنا عسكر، والطالب منير يعقوب عسكر، وكوركيس شابو عجمايا وغيرهم. (المرحوم المدرس عبدالاحد فرنسي المالح تمت تصفيته اثر تعذيب وحشي تعرض له في المعتقل في بغداد عام 1963 على يد رجال الأمن، والمرحوم منير يعقوب عسكر تم اختطافه و اعدامه لاحقاً من قبل اجهزة البعث في فترة الثمانينيات من القرن الماضي).. وعلى اثر تلك الاضرابات العارمة، قام النظام الملكي البائد بإعدام قادة الحزب الشيوعي العراقي (فهد ، صارم ، حازم) عام 1949، عندها أصبح العمل السياسي سرياً وممنوعاً من قبل السلطة، الى عام 1958 والذي حدثت فيه ثورة 14 تموز وتم اعلان الجمهورية، فظهرت على الساحة السياسية عناصر مختلفة ركبت الموجة مدعية الوطنية، سميت هذه المرحلة بـ(المد الشيوعي) ، ثم جاء الانقلاب الاسود في 14 رمضان او 8 شباط عام 1963، حينها اعلن الانقلابيون عزمهم على ابادة الشيوعية، فقامت مجموعة من شباب عنكاوا صباح ذلك اليوم المشؤوم بالتظاهر ضد الانقلاب و توجهوا الى مركز شرطة عنكاوا مطالبين بتزويدهم بالسلاح لمقاومة الانقلاب، الا ان مأمور المركز رفض طلبهم ولم يسلمهم السلاح، فهجموا على حارس المركز وطرحوه أرضاً واستولوا على سلاحه، ثم كسروا مشجب الاسلحة في مركز الشرطة واستولوا على عدد من البنادق، واستمروا بالتظاهر في شوارع عنكاوا الى أن جاءت قوة كبيرة من أربيل وقامت بتفريقهم وملاحقة الشباب الذين هجموا على مركز الشرطة ، هؤلاء الشباب اختبؤوا في بيوت القرية الى أن حل الليل، فخرجوا وتوجهوا الى الجبل والتحقوا بالحركة البارزانية كتنظيم مستقل، ونذكر منهم: المرحوم يوسف بهنام شيشا كوندا و ايليا شمعون طوبيا و توما شعيا جمعة القصاب واخوه يوسف شعيا جمعة القصاب، وتم اصدار احكام بحقهم غيابياً.
اما بالنسبة الى الوعي السياسي النسوي في عنكاوا،فبعد وثبة 8 كانون الثاني 1948، انتشر الوعي السياسي في جميع الألوية ( المحافظات) العراقية، كان لعنكاوا نصيب واضح من هذا الوعي على مستوى الحركة النسوية، وبالرغم من قلة النساء المتعلمات في قرية عنكاوا آنذاك، واللواتي كان عددهن لايتجاوز أصابع اليد ، وكان حينها في عنكاوا ثلاث معلمات فقط، خريجات دار المعلمات الاولية في بغداد، انخرطن في العمل السياسي في مناطق عملهن خارج عنكاوا من خلال تنظيم الحزب الشيوعي و منظماته المدنية و الجماهيرية، وهن المربيات الفاضلات المرحومات: (صارة فرنسي حنا) و كانت معلمة في شقلاوة، (حاني بويا يعقوب)و كانت معلمة في راوندوز، و (فريدة توما عليبك) وكانت معلمة في كويسنجق. وبعد اعدام قادة الحزب الشيوعي في 1949، اصبح عمل الحزب الشيوعي سرياً، وخمدت الحركة النسوية في عنكاوا الى ان جاءت ثورة 14 تموز المجيدة في 1958، عندها انخرطت عوائل برجالها و نسائها و شيبها و شبابها في تنظيمات الحزب الشيوعي.. و في عام 1959 تشكلت رابطة الدفاع عن حقوق المرأة في عنكاوا، و كانت فرعاً تابعاً للرابطة في محافظة اربيل. وترأست السيدة فريدة توما عليبك رابطة المرأة في عنكاوا، وقد تميزت بنشاطها و كفاءتها. و ضمت الرابطة الكثير من متعلمات القرية نذكر منهن: المرحومة مادلين توما بتي و فكتوريا الياس عليبك التي شاركت في مؤتمر وارشو للمرأة في بولندا، وأخريات. وفي تلك الفترة زارت الشخصية العراقية المعروفة والمناضلة المخضرمة (نزيهة الدليمي) مقر الرابطة في عنكاوا و اثنت على عملها و نشاطها.
بولص كوركيس بيثون
نشرت في بيث عنكاوا عدد 78
أحيانا كانت تحدث تجاوزات على الزرع، أو سرقات مواشٍ، او قطعة سلاح من قبل أهالي القرى المجاورة ، أما النزاعات الداخلية بين عائلة وأخرى وإن حدثت كانت تُحل من قبل رجال الكنيسة أو كبار السن من أهل القرية ، كما كان للكنيسة دور لا ينكر في التعليم، حيث كانت تقوم صيفاً بتعليم أولاد القرية وبناتها من الذين ليس لديهم ارتباط بالعمل الزراعي وتربية الحيوانات، فتعلمهم مبادىء القراءة والكتابة ( للغتين الكلدانية والعربية) وبعض المعلومات العامة التي تقابل المستوى التعليمي للرابع الابتدائي، فالبعض من هؤلاء المتعلمين من الذكور، كانوا يغادرون القرية ويذهبون الى مدينة كركوك لكسب العيش والحصول على فرصة عمل، وخاصة في شركة النفط المعروفة انذاك باسم ( IPC )، ويشتغلون في الشركة كعمال أو مستخدمين أو فنيين. وقد حدث حينها و بعد ان تراكم لدى العمال الشعور بالغبن والاستغلال من قبل اصحاب او مالكي الشركة لقلة أجورهم وطول ساعات العمل، فاتفقوا ان يقاطعوا ويضربوا عن العمل مطالبين بتحقيق مطالبهم ، وقاد الإضراب عدد من كوادر الحزب الشيوعي العراقي ، واعتصموا في بستان كان يقع خارج مدينة كركوك حينها يسمى (گاورباغی)، وهو بستان فسيح للزيتون كان يملكه شخص مسيحي اشتراه اصلا من شخص يهودي، وكان ذلك في تموز 1946 ، ودام الاضراب 13 يوماً من 1 تموز لغاية 13 تموز، حينها خرجت عليهم شرطة الشركة لتجبرهم على العودة الى العمل ولكن لم تفلح، وفي 13 تموز حصلت المجزرة وتم تفريقهم باستعمال العصي والهراوات و الاطلاقات النارية، فسقط 16 شهيداً و اكثر من 30 جريحاً، وبعدها تم فصل قادة الإضراب من العمل. شارك بهذا الإضراب التاريخي العديد من أبناء عنكاوا نذكر منهم: المرحوم عيسى مروكي (عيسى بيو)، والمرحوم حنا عتو ( حنا عريف)، والمرحوم نعمان توما كاوانا ( سياوش)، والمرحوم بويا سبو (دخوكا) الذي كان ناشطا في نشوء مبادىء الفكر الشيوعي في كركوك ، والمرحوم عوديش يلدا (ادوكا) سياوش، وآخرون... واصيب في هذا الاضراب كل من: عيسى مروكي بيو و حنا عتو بطلق ناري، و اصيب ايضا بويا عتو يوسف (غديدايا) بضربة حجارة قوية في كتفه، وعلى اثر هذا الاضراب والحدث التاريخي عاد هؤلاء العمال الى قريتهم عنكاوا، عندها شاعت كلمة (الإضراب) في القرية. وعقب هذا الاضراب قام عمال معمل فتاح باشا للغزل والنسيج في الكاظمية بتأييد إضراب كاورباغي، مطالبين بزيادة أجورهم وتحسين اوضاع العمل. وبعد ذلك و في سنة 1948، قامت جماهير بغداد بالتظاهر ضد تجديد معاهدة (بورتسموث) وهتفت بسقوط الوزارة وحل البرلمان، وتصدت الشرطة بعنف للمظاهرات بهدف تفريقها، وعمت المظاهرات جميع الالوية (المحافظات) العراقية في عامي 1947 و 1948 ومنها محافظة أربيل، و لكون قرية عنكاوا قريبة من مدينة اربيل ومعظم موظفيها وطلابها يداومون فيها، لذا فأن عدداً من ابنائها شاركوا في تلك المظاهرات التي خرجت في أربيل وبرز منهم: المدرس المرحوم عبدالأحد فرنسي المالح و اخوه متي فرنسي المالح وكان طالباً في المرحلة المتوسطة، والمعلم بطرس كوركيس حمودا، والمضمد الصحي بهنام شيشا كوندا، والطالب لويس نعمان توما سياوش، والطالب يوسف (أسوفي) حنا عسكر، والطالب منير يعقوب عسكر، وكوركيس شابو عجمايا وغيرهم. (المرحوم المدرس عبدالاحد فرنسي المالح تمت تصفيته اثر تعذيب وحشي تعرض له في المعتقل في بغداد عام 1963 على يد رجال الأمن، والمرحوم منير يعقوب عسكر تم اختطافه و اعدامه لاحقاً من قبل اجهزة البعث في فترة الثمانينيات من القرن الماضي).. وعلى اثر تلك الاضرابات العارمة، قام النظام الملكي البائد بإعدام قادة الحزب الشيوعي العراقي (فهد ، صارم ، حازم) عام 1949، عندها أصبح العمل السياسي سرياً وممنوعاً من قبل السلطة، الى عام 1958 والذي حدثت فيه ثورة 14 تموز وتم اعلان الجمهورية، فظهرت على الساحة السياسية عناصر مختلفة ركبت الموجة مدعية الوطنية، سميت هذه المرحلة بـ(المد الشيوعي) ، ثم جاء الانقلاب الاسود في 14 رمضان او 8 شباط عام 1963، حينها اعلن الانقلابيون عزمهم على ابادة الشيوعية، فقامت مجموعة من شباب عنكاوا صباح ذلك اليوم المشؤوم بالتظاهر ضد الانقلاب و توجهوا الى مركز شرطة عنكاوا مطالبين بتزويدهم بالسلاح لمقاومة الانقلاب، الا ان مأمور المركز رفض طلبهم ولم يسلمهم السلاح، فهجموا على حارس المركز وطرحوه أرضاً واستولوا على سلاحه، ثم كسروا مشجب الاسلحة في مركز الشرطة واستولوا على عدد من البنادق، واستمروا بالتظاهر في شوارع عنكاوا الى أن جاءت قوة كبيرة من أربيل وقامت بتفريقهم وملاحقة الشباب الذين هجموا على مركز الشرطة ، هؤلاء الشباب اختبؤوا في بيوت القرية الى أن حل الليل، فخرجوا وتوجهوا الى الجبل والتحقوا بالحركة البارزانية كتنظيم مستقل، ونذكر منهم: المرحوم يوسف بهنام شيشا كوندا و ايليا شمعون طوبيا و توما شعيا جمعة القصاب واخوه يوسف شعيا جمعة القصاب، وتم اصدار احكام بحقهم غيابياً.
اما بالنسبة الى الوعي السياسي النسوي في عنكاوا،فبعد وثبة 8 كانون الثاني 1948، انتشر الوعي السياسي في جميع الألوية ( المحافظات) العراقية، كان لعنكاوا نصيب واضح من هذا الوعي على مستوى الحركة النسوية، وبالرغم من قلة النساء المتعلمات في قرية عنكاوا آنذاك، واللواتي كان عددهن لايتجاوز أصابع اليد ، وكان حينها في عنكاوا ثلاث معلمات فقط، خريجات دار المعلمات الاولية في بغداد، انخرطن في العمل السياسي في مناطق عملهن خارج عنكاوا من خلال تنظيم الحزب الشيوعي و منظماته المدنية و الجماهيرية، وهن المربيات الفاضلات المرحومات: (صارة فرنسي حنا) و كانت معلمة في شقلاوة، (حاني بويا يعقوب)و كانت معلمة في راوندوز، و (فريدة توما عليبك) وكانت معلمة في كويسنجق. وبعد اعدام قادة الحزب الشيوعي في 1949، اصبح عمل الحزب الشيوعي سرياً، وخمدت الحركة النسوية في عنكاوا الى ان جاءت ثورة 14 تموز المجيدة في 1958، عندها انخرطت عوائل برجالها و نسائها و شيبها و شبابها في تنظيمات الحزب الشيوعي.. و في عام 1959 تشكلت رابطة الدفاع عن حقوق المرأة في عنكاوا، و كانت فرعاً تابعاً للرابطة في محافظة اربيل. وترأست السيدة فريدة توما عليبك رابطة المرأة في عنكاوا، وقد تميزت بنشاطها و كفاءتها. و ضمت الرابطة الكثير من متعلمات القرية نذكر منهن: المرحومة مادلين توما بتي و فكتوريا الياس عليبك التي شاركت في مؤتمر وارشو للمرأة في بولندا، وأخريات. وفي تلك الفترة زارت الشخصية العراقية المعروفة والمناضلة المخضرمة (نزيهة الدليمي) مقر الرابطة في عنكاوا و اثنت على عملها و نشاطها.
بولص كوركيس بيثون
نشرت في بيث عنكاوا عدد 78
تعليقات
إرسال تعليق